Thread Back Search




›› ›› ›› ››



الوالدين في الكبر ورعايتهما

اضافه رد
  • 05-05-2024 | 04:52 AM
  • شبكة غلاسة






  • الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصَحبه أجمعين.





    أمَّا بعدُ:



    فمن حِكمة الله - سبحانه - أن خلَق الإنسان فسوَّاه، وجعَله يمرُّ بمراحل تتفاوت فيها قُدراته وإمكاناته، ولكلِّ مرحلة من عُمره خصائصها وميزاتها التي تُميزها عن غيرها من المراحل؛ يقول - سبحانه - مذكِّراً بهذه المراحل: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].





    وفي كلِّ طور من هذه الأطوار التي يمرُّ بها الإنسان، سخَّر الله له مَن يَكلؤه ويَعتني به، بدافع الفطرة والرحمة صغيرًا، وبدافع المودة والاحتساب كبيرًا، فمنذ وضَعته أمُّه وهي تَحوطه برعايتها وتُغدق عليه من حنانها، بذَلت مُهجتها، وفرَّغت وقتها، واستعْذَبت انشغالها بوليدها، وأبوه قد شمَّر عن ساعد الجد في تأمين معيشة أسرته التي يَعولها، قد وفَّر الغذاء البدني والرُّوحي لوليده، وجعَله يشعر بالأمان والاستقرار النفسي، إلى أن شبَّ وليدهما عن الطوق، واعتمَد على نفسه في شؤون حياته، واستغنى عن غيره، وبدَأ يشقُّ طريق عيشه، ويكوِّن له أسرة صغيرة، يحوطها ويرعاها، ويؤمِّن لها العيش الكريم.







    أمَّا الوالدان، فبعد أن أدَّيا واجبَهما وأنفَقا زهرة عُمرهما في رعاية أولادهما، إذا بالسنوات تَزدلف بهما، وتمضي تِباعًا على عجلٍ، فيعلو الشيبُ مفارقهما، ويدبُّ الضَّعف إلى بدنيهما، ويُصبحان في حال يحتاجان فيها إلى مَن حولهما، ولا سيَّما أبناؤهما وبناتهما؛ ليردُّوا إليهما الجميل، أو بعضَ الجميل الذي بذلاه في سبيلهم، وليتقرَّبوا إلى الله تعالى بخدمة والديهم اللذين طالَما تَعِبا ليستريحوا، واهتمَّا واغتمَّا ليَنعموا، وبذلا الكثير ليَنعموا بالعيشة الهنيَّة،



    فما موقف الأولاد من بنين وبنات من والديهم وهما في هذه الحال؟





    لقد انقسَم الأولاد إلى قسمين حيال هذه القضية، وبينهما قسم ثالث يتجاذَبه الطرفان؛





    أمَّا القسم الأول من الأولاد،

    فهو مَن هشَّ لوالديه وبشَّ، وسارَع إلى خدمتهما بما يستطيع، مُفرِّغًا وقته وجهدَه لوالديه، مستشعرًا التقرُّب إلى الله تعالى في خدمتهما، وهو يعلم أنَّ الله تعالى خاطبه بقوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15].





    ويُدرك أن نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - أوصى بذي الشيبة المسلم خيرًا في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ من إجلال الله تعالى إكرامَ ذي الشيبة المسلم)).





    فما بالك إذا كان ذو الشيبة أحدَ والديه؟ إنه يتلمَّس حاجة والديه، ويَبدؤهما بالسؤال عما يريدان ويَشتهيان، ويُسارع في خدمتهما، فهنيئًا لِمَن أكرَمه الله تعالى، فبَرَّ والديه، وقام بحقِّهما.





    وأمَّا القسم الآخر من الأولاد

    فهو مَن ضرَب بالواجب عُرض الحائط، فلم يُبالِ بأمر والديه وقد كَبِرا في السنِّ، وضَعُفت قواهما، وأصبَحا مخدومين بعد أن كانا هما الخادمين، فلا يَزورهما إلاَّ لِمامًا، إن طلبَا منه شيئًا، تثاقَل، وإن اشتَكَيَا إليه أمرًا، تمهَّل، يبحث عن المعاذير التي تحول دون تلبية رغبتهما، يَستكثر ما يَبذله لهما من وقتٍ أو مال، يرى أنَّ خدمة زوجه وبَنيه في الدرجة الأولى، وللوالدين ما يَفضل من الاهتمام والوقت، وبعض الأبناء - هدَاهم الله - يستخفُّ بكبير السن، ويعتقد أن دورَه في الحياة قد انتهى، ويرى أنْ لا فائدة في إشراك والده الشيخ في اتخاذ رأي أو طلب مَشورة؛ لأنه لَم يَعُد له الدور السابق؛ مما يجعل كبيرَ السنِّ عُرضة للإصابة بضيق الصدر والشعور بالعقوق، بل ويُعرِّضه للأمراض النفسية والعضويَّة، وحجة مَن يفعل هذا الصنيع أنَّ التعامل مع كبار السن صعبٌ، وأنهم يحتاجون إلى زمن طويل للتفاهم معهم، ولذا آثَروا البُعد عن النقاش معهم، بل تجد بعض الناس إذا جلسوا في مجلس لتبادُل الأحاديث، وكان معهم كبيرُ سنٍّ، خَفتوا من أصواتهم؛ لئلاَّ يسألهم عن هذا الموضوع أو ذاك، فيشغلوا أنفسهم بالجواب الذي يحتاج إلى تَكرار ليفهمَ المراد.





    فيا لله، كم دمعة ذرَفها والد أو والدة على ما يُلاقيان من الجحود والاستكبار من أولادهما! كم زفرة حرَّى انطلقَت من أبٍ مكلوم وأمٍّ رؤومٍ، يَشتكيان الهجر والقطيعة من أقرب الناس إليهما!





    ويا لله، كم من أبٍ وأمٍّ تمنَّيَا أنْ لَم يُرزقا بأولاد، شَقِيَا معهم أوَّل عُمرهما، وها هما يَشقيان بهم في آخره! كم حسرة دُفِنت مع والد في قبره، وكم غُصَّة ضاقَ بها جوفُ أمٍّ لَم تحتمل ما ترى! كم من والد ذاقَ مرارة العقوق وأحسَّ بمشاعر هذا الأب الذي فُجِع بعقوق ابنه، فخاطبه بهذه الأبيات المُبكية، قائلاً:








    غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا == تَغُلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ




    إذَا لَيْلَةٌ ضَاقَتْكَ بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ == لِسُقْمِكَ إلاَّ سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ



    كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي == طُرِقْتَ بِهِ دُونِي فَعَيْنِيَ تَهْمِلُ



    تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا == لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ



    فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي == إلَيْهَا مَدَى مَا كُنْتُ فِيكَ أُؤَمِّلُ



    جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً == كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ



    فَلَيْتَكَ إذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي == فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ


    أيها الإخوة، اعلَموا أن برَّ الوالدين من خير ما تقرَّب به المتقرِّبون، وهو من أجَل العبادات والقُربات؛ سُئِل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قيل: ثم أي؟ قال: ((برُّ الوالدين))، قيل: ثم أي؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))؛ متفق عليه.






    فانظروا كيف سبَق برُّ الوالدين الجهاد في سبيل الله على أهميَّته ومكانته في الدين، ومَن أدرَك والديه أو أحدهما، فلم يَدخل بهما الجنة، فهو ممن تشمله دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((رَغِم أنفُ، ثم رَغِم أنف، ثم رَغِم أنف مَن أدرَك أبويه عند الكِبَر أحدَهما أو كلاهما، فلم يدخل الجنة))؛ مسلم.


    ولو لَم يَرِد في بيان عِظَم حقِّ الوالدين إلاَّ قول الله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24]، لكان كافيًا.


    ويَحسُن التنبيه إلى أمور قد يَغفل عنها البعض في التعامل مع كبار السنِّ، وخاصة الوالدين،


    فمنها: أن المُسنَّ يحتاج إلى الشعور بالحنان والرعاية والعطف، فلا نَبخل عليه بذلك.


    وثانيها: الحذر من الإلحاح على المسن ومطالبتِه بأن يَقتنع بما نُخبره به؛ حيث إنه لا يتحمَّل الإلحاح، ولكن يُمكن طرْحُ الأمر معه شيئًا فشيئًا ليُمكن إقناعه؛ حيث إن طبيعة هذه المرحلة من العُمر تَفرض بُطئًا في الاستجابة.


    وثالثها: أنَّ قصور السمع والبصر لدى المُسن يَجعله يبتعد شيئًا فشيئًا عن أحداث الواقع، وذلك يوجب علينا التحدُّث معه ومع مَن حوله بصوت مسموع، مع محاولة جَذْب المُسن للواقع، بإخباره عما يدور حوله، وطَلبِ رأيه، ومداعبته ما أمكَن؛ ليكون قريبًا من مجتمعه، مُدركًا لِما حوله.


    ورابعها: أن نُدرك أن المُسن يستمتع بالحديث عن الماضي الذي عاش أحداثه، وشَهِد صَوَلاته وجَوَلاته، فعلينا ألاَّ نَحرمه من ذلك، بل نُظهر التفاعل معه والإعجاب بما يقوله.


    وخامسها: أن نَحرص على إشغال المُسن بما يَنفعه عند ربِّه، بإسماعه القرآن الكريم في الأوقات المناسبة، والقراءة عليه في الكتب الملائمة لمستواه العلمي، وترغيبه في ذِكر الله تعالى قدر الاستطاعة، وإشعاره بضرورة الاحتساب، والصبر على ما يُعانيه من أمراض أو عوارض، فلهذه من الفائدة ما لا يَخفى، ومع ذلك كله لا بدَّ أن يشعرَ الوالدان بقُرب أولادهما منهما، ومحبَّتهم للجلوس معهما والأُنس بهما، وتَسابُقهم في خدمتهما، فلنَكن على علمٍ بهذا، ولنَحرص على برِّ آبائنا وأُمَّهاتنا؛ ففي ذلك الأجرُ من الله تعالى والأثرُ الطيِّب في الدنيا.


    فمَن وصَل رحمَه وبرَّ والديه، بارَك الله له في المال والولد، وأبقى له الذِّكر الحسن، ومَن أراد أن يَبرَّه أولاده، فليَبرَّ والديه، ومَن عقَّ والديه، فلينتظر العقوق من أبنائه، ولا يأْمَنَنَّ العقوبة العاجلة من الله تعالى؛ فالجزاء من جنس العمل.


    نسأل الله تعالى بمنِّه وكرَمه، أن يجعلنا من البارِّين لوالديهم الفائزين بالأجر والبر، وأن يرزقَنا برَّ أولادنا؛ إنه على كلِّ شيء قدير، وبالإجابة جدير، والحمد لله ربِّ العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




    المواضيع المتشابهه:


    hg,hg]dk td hg;fv ,vuhdjilh




    لو عجبك الموضوع اضغط شير لنشر الموضوع مع اصدقائك

      أضـغط هنـآ


    من مواضيعى
    0 اجدد واجمل صور رومانسيه للعشاق 2024
    0 صور تشكيلة صنادل للبنات والسيدات روعه جديده جدا لعام 2025
    0 انظر فكر اشكر
    0 طريقة عمل البطاطس الشيبسي للدايت ولمرضي السكر
    0 للزواج السعيد اليك 5 نصائح 2025
    0 صور اساور جديده للبنات عريضه متنوعه ساده ومزخرف 2024
    0 تحميل مسلسل خيبر التاريخي في رمضان 2024
    0 طريقة عمل ومقادير سندوتش التونه
    0 قنديل يهدد وزير الداخليه بالاقاله اليوم الثلاثاء الموافق 2 يوليو 2024
    0 خبر القبض علي صفوت حجازي اليوم السبت 17\8\2024
    0 من هو اويس ابن عامر
    0 تسريحات ديل الحصان الجديده 2025
    0 نحن النساء نشتري لعنة الله لنا
    0 دعاء وحكمه في صوره 2024 - 2025
    0 صور حلوه لبنات حلوه 2025
    0 صور جديده لغرف معيشه 2025
    0 اوحش واغرب فساتين سهره في العالم 2025
    0 صور اطفال 2025
    0 العلاج اللي بيتكون من الهرمونات بيسبب امراض سرطان الثدي عند الست
    0 هل تظن بالله ظن حسن
    0 صور تسريحات ربيع وصيف 2025 تسريحات شعر قصير 2025
    0 كلمات جميله ومعانيها اجمل
    0 صور نبيله عبيد 2025
    0 فترة الخطوبه
    0 صور دينيه خلفيات, كمبيوتر 2025 صور متنوعه ,اسلاميه لخلفيات ,سطح مكتب الكمبيوتر 2025
    0 بديهات للحوامل 2025
    0 التوفيق من الله حين ياخد بيدك
    0 صور جيبه قصيره ,للبنات 2024 - 2025 جيبات جديده ,من بيوت الازياء العالميه 2024
    0 صور اعتني بشعرك حسب نوعه 2025
    0 البقدونس وفوائده
    0 معلومات لتعطير جسمك يوم الفرح
    0 صلاة الاستخاره وكيف نعرف نتيجة الصلاه 2024
    0 صور زفاف الفنانه كندا حنا حصري صور كندا حنا 2024
    0 وجبات لتنحيف الدبدوبات بطريقه سريعه وصحيه
    0 اسنان الاطفال اكتر عرضه للتسوس
    0 للتخلص من الم الاسنان 2024
    0 المشلتت بالعسل والقشطه
    0 مجموعة شنط يد جديده للبنات 2024
    0 طفلك بيتاثر من اصدقائه
    0 صور زهور جديده كل الالوان 2024 مجموعة ورد جديده للعشاق 2024
Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc
adv ghlasa by : ghlasa