والجواب والله تعالى أعلم : هو أنه : بالتأمل في نتائج ، خلق الإبل ، ونصب الجبال إلخ ، وإنْ لم يعلموا الكيف ، بل ويعجزون عن كنهه وتحقيقه ، فهو أبلغ ، في إقامة الدليل عليهم كمن يقف : أمام صنعة بديعة ، يجهل سر صنعتها ، فيتساءل كيف تم صنعها وقد وقع مثل ذلك ، وهو الإحالة على الأثر ، بدلاً من كشف الكنه والكيف ، وذلك في سؤال الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ربه ، أن يريه كيف يحيي الموتى .
فكان الجواب : أن أراه الطيور تطير ، بعد أن ذبحها بيده وقطعها ، وجعل على كل جبل منها جزءاً ، فلم يشاهد كيفية وكنه ، وحقيقة الإحياء ، وهو دبيب الروح فيها وعودة الحياة ، لأنّ ذلك ليس في استطاعته ، ولكن شاهد الأثار ، المترتبة على ذلك ، وهي تحركها وطيرانها وعودتها ، إلى ما كانت عليه قبل ذبحها .
مع أنه كان للعزير عليه السلام : موقف مماثل ، وإنْ كان أوضح في البيان ، حيث شاهد العظام ، وهو سبحانه ينشزها ، ثم يكسوها لحماً ، والله تعالى أعلم .
3*[ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ{101} ]( سورة يونس ).
4*[{مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً }]( الكهف51 ).
أما قوله تعالى بعد ذلك : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } , فإنَّ مجيء هذا الأمر "" بالفاء "" في هذا الموطن ، فإنه يشعر بأنَّ : النظر الدقيق والفكر الدارس ، ممّا قد يؤدي بصاحبه إلى الاستدلال ، على وجود الله وعلى قدرته ، كما نطق مؤمن الجاهلية : قس بن ساعدة ، في خطبته المشهورة :
ليل داج ، ونهار ساج ، وسماء ذات أبراج ، ونجوم تزهر ، وبحار تزخر ، وجبال مرساة ، وأرض مدحاة ، وأنهار مجراة ، فقد ذكر السَّماء والجبال والأرض .
وكقول زيد بن عمرو بن نفيل : مؤمن الجاهلية المعروف
وأسلمت وجهي لمن أسلمت...له الأرض تحمل صخراً ثقالاً
دحاها فلما استوت شدها...سواء وأرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت...له المزن تحمل عذباً زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة...أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت...له الريح تصرف حالاً فحالا
فكان على هؤلاء العقلاء : أن ينظروا بدقة وتأمل ، فيما يحيط بهم عامة , وفي تلك الآيات الكبار خاصة ، فيجدون فيها ما يكفيهم .
وفي كل شيء له آية...تدل على أنه واحد
فإذا لم يهدهم تفكيرهم , ولم تتجه أنظارهم ، فذكرهم : إنما أنت مذكر ، وهذا عام ، أي سواء بالدلالة على القدرة ، من تلك المصنوعات ، أو بالتلاوة من آيات الوحي ، والعلم عند الله تعالى .
وقد جاء في تفسير البيضاوي رحمه الله تعالى وغفر له ولوالديه وللمسلمين آمين.
{ أَفَلاَ يَنظُرُونَ } نظر اعتبار ، { إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ } خلقاً : دالاً على كمال قدرته ، وحسن تدبيره ، حيث خلقها لجر الأثقال ، إلى البلاد النائية ، فجعلها عظيمة : باركة للمحل ، ناهضة بالحمل ، منقادة لمن اقتادها ، طوال الأعناق لينوء بالأوقار ، ترعى كل نابت ، وتحتمل العطش إلى عشر فصاعداً ، ليتأتى لها قطع البوادي والمفاوز ، مع مالها من منافع أخرى ، ولذلك خصت بالذكر ، لبيان الآيات المنبثة ، في الحيوانات ، التي هي أشرف المركبات وأكثرها صنعاً ، ولأنها أعجب ، ما عند العرب ، من هذا النوع ، وقيل المراد بها : السحاب على الاستعارة .
{ وَإِلَى السماء كَيْفَ رُفِعَتْ } بلا عمد .
{ وَإِلَى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ } فهي راسخة لا تميل .
{ وَإِلَى الأرض كَيْفَ سُطِحَتْ } بسطت ، حتى صارت مهاداً ، وقرىء الأفعال الأربعة على بناء الفاعل للمتكلم ، وحذف الراجع المنصوب ، والمعنى : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ } إلى أنواع المخلوقات ، من البسائط والمركبات ، ليتحققوا كمال قدرة الخالق سبحانه وتعالى ، فلا ينكروا اقتداره على البعث ، ولذلك عقب به أمر المعاد ، ورتب عليه الأمر بالتذكير ، فقال : { فَذَكّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ } فلا عليك ، إن لم ينظروا ، ولم يذكروا : إذ ما عليك إلا البلاغ .
وقد جاء في تفسير إبن عجيبة رحمه الله تعالى وغفر له ولوالديه وللمسلمين آمين.
[ (11) فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12) فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) ].
ولمّا أنزل الله هذه الآيات :
وقرأها النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ، فسّرها بأنَّ ارتفاع السرير يكون مائة فرسخ ، والأكواب الموضوعة لا تدخل تحت حساب لكثرتها ، وطول النمارق كذا وعرض الزاربيِّ كذا أنكر المشركون ذلك
ـ تتحمل العواصف الرملية القاتلة حيث خلق الله تعالى , لها أجفان تسدل عند هبوب العواصف لكنها لا تحجب الضوء عن العين.
ــ وصمم لها تعالى , منخرين لا يتأثران بهبوب العواصف الرملية .
ــ وجعل على عيونها أجفان طويلة لحماية أعينها من الرمال الجارحة
ـ خلق الله تعالى , فمها وأسنانها ولسانها لكي تقتات على النباتات الشوكية بسهولة
ـ خلق الله تعالى , أجهزة الهضم لها , بشكل بديع ، يمكنها من طحن الاشواك ونوى التمر وغيرها
ـ خلق الله تعالى , لها سنام أو سنامين : يخزنان المواد الدهنية ، لغرض إكتفاء الإبل بها , دون الغذاء , لمدة تقارب ثمانية أيام ، حيث يستطيع الجمل خزن ما يقارب 40 كغم من الدهن في سنامه.
ــ كما يحمى السنام : جسم الجمل من أشعة الشمس ؛ حيث يعمل كحاجز يمنع وصول تلك الأشعة , إلى بقية أجزاء جسم الجمل مباشرة .
ـ خلق الله تعالى , لها جلدا , يقاوم التغيّرات الحرارية ، وجعل لها وسائد جلدية في الاماكن التي تحتك مع الارض , كي تقيها من التغيرات الحرارية.
ـ صمم الله تعالى , أجواف الإبل , بشكل بديع , في تخزينها للماء , ما يكفيها لأيام ، وقد يشرب الجمل في مرّة واحدة ، على ما يزيد من 120 لترا من الماء .
ـ صمم الله تعالى , أخفافها كالوسائد , لا تنغرز في رمال الصحراء المتحركة.
ــ جعلها الله تعالى , حيوانات صديقة للبيئة ، حيث أنها لا تقتلع النباتات من أصولها , وتترك النباتات بارزة على وجه الارض لمسافات ، مما يساعد هذه النباتات , على بقائها وعدم انقراضها.
ـ جعلها الله تعالى , بهذه الصورة , وبهذا الحجم , وطوّل سيقانها ، مما يعطي لراكبها :
1. الأمان من هوام الصحراء القاتلة.
2.حمايتها من الحرارة المرتفعة والمنخفضة.
3. حمايتها من النباتات الصحراوية ذات الأشواك القوية.
4. لي يمكّن راكبها من وضوح الروئية لمسافات أكبر.
5. إخافة الحيوانات المفترسة من التقرب إليها.
6. تأمين وضوح الطرق لها لمسافات كبيرة.
ـ ألإبل لها ذكاء كبير ، في حفظ الطرق التي تمر بها
ـ جعلها الله تعالى , مذللة على الرغم , من عظم حجمها فهي تُقاد من أضعف الناس كالاطفال
ـ خلقها الله تعالى لكي تحمل الاوزان الثقيلة ولمسافات طويلة
ـ صممها الله تعالى للنهوض والبروك مع ما تحمل من أثقال كبيرة
ـ سخرها الله تعالى لكي تسير في أكثر الطرق وعورة
جعل الله تعالى الدواء في البانها وأبوالها
ــ جعل الله تعالى , فيها جمال بكل اوقاتها , سواء ان راحت أو سرحت
ــ جعل الله تعالى , الناقة معجزة لنبيه سيدنا صالح عليه السلام.
ــ جعل الله تعالى , عدد من معجزات سيدنا محمّد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وأزواجه وذريته وبارك وسلم كما تحبه وترضاه آمين ، متعلق بالإبل ، ككلامه مع البعير ومعجزة ناقته عند وصوله الى يثرب
ــ عنق الجمل الطويل ، يساعده على تناول غذائه بسهولة ، ويعطيه أمكانية كبيرة ، للسير ، بكل أمان في أصعب الطرق.
ــ للجمل قدرة عجيبة ، على تحمل العطش ، بل إنه يضرب به المثل في ذلك ففي فصلى الشتاء والربيع : يمكن للجمل ، أن يعيش مدة طويلة تتراوح ما بين شهرين إلى أربعة أشهر ، دون أن يشرب الماء ، ويكتفي بما يأكله من نباتات خضراء غنية بالماء .
أما في فصل الصيف الحار ، فيمكنه أن يتحمل العطش ، مدة تتراوح ما بين ستة أيام إلى عشرة ، وقد تزيد على ذلك فتصل إلى أسبوعين أو أكثر ، ويرجع ذلك إلى عدة أشياء ، يتمتع بها الجمل دون سائر الحيوانات :
فهو يستطيع : أن يحافظ على ماء جسمه ، بكفاءة عالية ، فلا يفقد منه إلا القليل ، إذ إنه لا يتنفس من فمه ، ولا يلهث أبدًا ، مهما اشتد الحر ، وهو بذلك يتجنب تبخر كميات كبيرة من ماء جسمه عن طريق الفم .
كما تقوم الكليتان : بدور كبير في ، اقتصاد الماء ، الموجود داخل الجسم ، بصورة مذهلة ، ولا تخرجان إلا كمية بول قليلة جدًّا ، إلى حد ما .
ولكن أعجب ، ما في الجمل : هو قلة عرقه ، إلى أدنى حد ممكن ؛ إذ إنه لا يعرق ، إلا إذا تجاوزت درجة حرارة جسمه نحو (41ْم) تقريبا ، وهذه ميزة عظيمة ، تمكن الجمل من الاحتفاظ بالماء ، داخل جسمه أطول فترة ممكنة !!!
ولا نستبد المزيد من الاعجازات في خلق الابل ، سوف يكشفها الله تعالى لخلقه ،
فسبحان القائل : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } فصلت 53
فمن خلال ، هذه الآيات العظيمة ، التي أودعها الله تعالى ، في خلق ألإبل ، يتبين عظمة المبدع ، في خلق السماء ، الجبال ، الارض ، ففيهنّ من ألآيات ، ما لا يحصيهن إلا الله تعالى ، لذلك كانت حكمة الله تعالى ، في ذكر الجمل أولا ، والله تعالى أعلم وأحكم.
فالله الحمد والشكر كما هو أهله وله الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجه ولعظيم سلطانه وله الحمد والشكر بعدد نعمائه ، وصلِّ يارب على سيدِّنا محمَّد وعلى آله وأزواجه وذريته وبارك وسلم ، كما تحبه وترضاه آمين.
رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ
رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً
رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً