قبيل حادثة الإسراء والمعراج  الحوادث والأزمات الكثيرة، فإلى جانب ما كان يلاقيه من عنتٍ وعذاب الكفار  له وتصديهم لدعوته وإنزال الأذى والضرر به وبمن تبعوه، فَقَد نصيرًا  وظهيرًا له هو عمه أبو طالب، وكذلك فَقَد شريكة حياته وحامية ظهره السيدة خديجة  التي كانت له السند والعون على تحمُّل الصعاب والمشقات في سبيل تبليغ  دعوته السامية، فكلاهما مات قبيل حادثة الإسراء والمعراج؛ ولذا سمي هذا  العام "عام الحزن"[1]. ومن هنا كان إنعام الله على عبده ورسوله محمد 
 بهذه المعجزةالعظيمة؛ تطييبًا لخاطره وتسرية له عن أحزانه وآلامه... ثم ليشهد فيها من عجائب المخلوقات وغرائب المشاهد.
  بروحه، وأنها الوقت الذي يناجي العبد فيه ربه، ويبث إليه ما يرنو إليه.  فالصلاة إذن عماد الدين؛ من تركها وأهملها فكأنه هدم دينه وأضاعه.
  إلى مستوى يسمع فيه كلام الله تعالى الأزلي الأبدي الذي لا يشبه كلام  البشر، فقد منحه الله في هذه الرحلة عطاءً روحيًّا عظيمًا؛ تثبيتًا لفؤاده،  ليتمكن من إتمام مسيرته في دعوة الناس إلى طريق الحق والهداية.
 أم هانئ بما حدث له في هذه الليلة، فتوجهت إليه بالرجاء أن لا يحدِّث بذلك أحدًا؛ حرصًا عليه أن تناله ألسنة أهل مكة  بسوء، وهي تعلم عنادهم، وأنهم لن يتركوا فرصة للتشهير به إلا انتهزوها.  ولكن رسول الله أَبَى إلا أن يصدع بالحق؛ لأنه صاحب دعوة ومأمور بالتبليغ،  وليس من طبيعة دعوة الحق أن ترضى بالحصار أو تستكين للتعتيم عليها.
 قومه بخبر الإسراء، كذَّبوه وشككوا في قوله، وتحدوه أن يثبت صدقه إن كان صادقًا، وراحوا يسألونه: صِفْ لنا بيت المقدس. قال 
: "دخلت فيه ليلاً وخرجت منه ليلاً". وحينئذٍ أتاه جبريل بصورته، فجعل ينظر إليه ويخبرهم؛ فعن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله يقول: "لَمَّا  كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلاَ اللَّهُ لِي بَيْتَ  الْمَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ  إِلَيْهِ"[2].  وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه، فقد أُحضر عرش بلقيس في طرفة عين  لسليمان وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أُحضر إليه، وما ذاك في قدرة الله  بعزيز[3].
؛ فعن أنس 
 قال: قال رسول الله 
: "... وجُعِل قُرَّة عيني في الصلاة"[4]. وكان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة، فعن حذيفة قال: "كان النبي 
 إذا حزبه أمر صَلَّى"[5].
 إلى عُمَّاله فقال: "إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع"[6].  وفي هذا حض على الاهتمام بأمر الصلاة وتخصيصها بمزية من المراعاة؛ لأنها  إن قُبلت منه نُظر في سائر أعماله ونفعه ما عمل من غير ذلك من أعمال البر،  وإن لم تُقبل لم ينفعه شيء من عمله ولم يُنظر له فيه[7].
، حيث عرج به إلى السموات السبع، وتخطاهن حتى وصل إلى سدرة المنتهى، وكلَّمه رب العزة والجلالة.
 إلى بيت المقدس وعاد في نفس الليلة، ولم يتأخر 
 ولم يتردد مع علمه 
  بعناد كفار قريش، وعدم تصديقه في هذا الأمر العظيم حيث لا يمكن تخيل أن  يتمكن بشر من الذهاب إلى بيت المقدس والعودة في نفس الليلة فيما كانوا  يستغرقون في هذه الرحلة شهرين؛ شهرًا في الذهاب وشهرًا للعودة.
،  وأنه حامل لواء الهداية للخلق جميعًا، تحمَّلها سيدنا رسول الله بأمانة  وقوة، وقام بحقها على خير وجه، ثم ورَّثها لأمته من بعده، وبذلك أصبحت خير  أمة أخرجت للناس، ومسئولة عن إقامة حُجَّة الله على خلقه جميعًا، كما قال  تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
 قد اختار إناء اللبن وشرب منه، جاء في الحديث أن جبريل 
 قال له عندما أخذ اللبن: "هُدِيتَ الْفِطْرَةَ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ"[8]. قال القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة؛ لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي 
 إليه دون غيره؛ لكونه كان مألوفًا له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة[9]. وفي رواية: "هِيَ الْفِطْرَةُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَأُمَّتُكَ"[10].
  بالمشاهدة والنظر، ولقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى، وما  أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم التي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهها إلا  بضرب من التخيُّل، فأنَّى لنا أن نصل إلى ذلك وقد حُبس عنا الكثير من  العلم، وما أوتينا منه إلا قليلاً، قال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء: 85]. والله قد أعطى كل نوع من مخلوقاته علومًا تتوافق مع استعداده وفطرته، ومهمته في هذا الكون.
 قال: قال رسول الله 
: "أَنَا  أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ،  وَالأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ  وَاحِدٌ"[12].  والعَلات بفتح المهملة: الضرائر. وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى  كأنه عَلَّ منها. والعلل: الشُّرب بعد الشرب. وأولاد العلات: الإخوة من  الأب[13].  أي أن شرائعهم متعددة، وأصل الدين واحد هو التوحيد. وجاءت ليلة الإسراء  والمعراج تؤكد المعنى السابق، فوجدنا أن العبارة التي رددها الأنبياء عليهم  السلام ترحيبًا بسيدنا محمد 
 حين استقبلوه في السموات العُلا هي: "مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ"[14].
، والحمد لله رب العالمين
لو عجبك الموضوع اضغط شير لنشر الموضوع مع اصدقائك