لم يكن احمد يدري  وهو  ذاهب إلي المدرسة إن ذلك اليوم ليس يومَا عاديًا كبقية الأيام في حياته , بالفعل ليس يومًا عاديًا في حياته , فهو لن يقف في الطابور الصباحي الذي طالما سخر منه , لن يدخل اليوم إلي الفصل الذي طالما مارس فيه  عدوانيته ضد زملائه , لن يرمق اليوم مدرسيه بتلك النظرات الحقيرة.
ذلك لان  طالب الصف الثالث الإعدادي قرر إن يغير من طباعه في ذلك اليوم , حيث طلب الانضمام إلى وفد الطلاب الذي يقوم بزيارة لأحد المستشفيات في ذلك اليوم .
على الرغم من ذهول المشرف على الزيارة من أن شخص كهذا الذي لم يكن معروفًا عنه المشاركة في أي نشاط , هذا الذي لم يسبق له أن اجتمع مع زملاء له إلا  للإضرار بزميل آخر أو للإخلال بنظام المدرسة , و على الرغم من ذلك إلا أن المشرف وافق علي أن ينضم احمد للوفد  رغبةً منه في تجديد الوجوه المشاركة في الزيارات الخارجية .
بالفعل لم يقف أحمد في الطابور الصباحي مثل أي يوم لأنه  وصل إلي المدرسة متأخرًا عن موعد بدء اليوم الدراسي , إلا إن  احمد لم يتأخر عن الزيارة إذ وصل المدرسة في الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم , حيث كانت تلك الساعة هي مجتمع الطلاب و المشرف  تمهيدًا للانطلاق إلى ( مستشفي مدينة الرحمة العام ) .
ولكن قبل الانطلاق أراد المشرف إن يضع الضوابط الصارمة التي تسير الزيارة كيفما يشاء ,و لم يترك الطلاب يتصرفون علي طبيعتهم  بل وضع الضوابط التي تنظم تحركاتهم قبل و أثناء و بعد الزيارة .
انطلقت الحافلة مقلة الطلاب و المشرف متوجهين إلي مستشفى مدينة الرحمة العام الذي  يزين مدينة الرحمة التي ينتمي إليها الطلاب و المدرسة .
وما هي إلا دقائق حتى وصلوا إلي مكان الزيارة , و عندها ترجلوا ليجدوا مبني ابيض اللون جميل الهيئة محاط بالخضرة و تزينه لافتة مكتوب عليها " مستشفي مدينة الرحمة العام " .
مكان نظيف , حديقة خضراء , استقبال رائع , مرافق أثناء الزيارة , كل هذه العناصر كفيلة بأن تجعل المرء متأكد من أن هذا المكان  مثالي حقًا .
هذا بالفعل ما وجده أحمد وزملائه أثناء مرورهم عبر الحجرات و الطوابق . إلا أن هذا المتمرد  الذي لم يرضخ أبدا لأي نظام أبى ألا يفعل ذلك في تلك الزيارة . 
و بالفعل خطط أحمد أن يتخلف عن زملائه و المشرف و المرافق لهم , و هذا ما تم أثناء التجول .
بعدما تخلف احمد عن الفوج  بدأ يسير في المستشفي ليركب المصعد  ليصعد لأحد الطوابق  . خرج احمد من المصعد ليجد نفسه أمام  مكان لم يدخله من قبل   يبدو و كأنه خرج  من المستشفي و دخل مكان آخر .
إلا أن مرور بعض الأطباء في الرواق  , جعله يتراجع و يسلم أنه لا يزال في نفس المستشفي .حجرات منزوعة الدهان , حديد ملئ بالصدأ , أسّرة متهرأة , افرشة متسخة , كل هذه العناصر كفيلة بأن تجعل المرأ متأكد من أن هذا المكان هو مستشفي  عسكري  في زمن  الحرب العالمية الثانية .
 بعدما دخل أحمد أحد الحجرات  ووجد العديد من المرضى في نفس الحجرة  يبدو عليهم سوء الرعاية و الإهمال التام .  دنا احمد من احد المرضى الذي يبدو عليهم البؤس و  اليأس و قد بدا عليه  المرض الشديد الذي يكاد يفتك به وهو ملقي علي سرير متهرئ . بدأ احمد يسأله عن حاله و عن  الرعاية داخل المستشفى و لم يكن يعلم لماذا يسأل هذه الأسئلة .  علي أية حال لم يدرك أحمد أن وراء هذا الشخص قصة مؤثرة .
" أنا شخص عادي يا بني , أعيش بالإمكانات القليلة المتاحة لي و التي تتوفر و أسرتي عن طريق  عملي ك " ميكانيكي " , أي أن رزقي  بيد الله  إذا شاء أعطاني  و إذا شاء أمسكه .
 ومثل أي شخص له ابن وحيد  أرغب دائمًَا  في أن أوفر له الإمكانيات  التي تسمح له بأن يشق طريقه في التعليم  .  سارت الأمور علي ما يرام  إلي  أن  تسارعت الطلبات و تعاظمت في مقابل الأجر المتذبذب  الذي يمن الله علي به .  لم اكن اتخيل أن ابني سيتخلى عن أحلامه بهذه السهولة , ليقرر ابني أن يترك التعليم و يعمل معي  في الورشة .
تمر السنوات و الحال علي ما يرام و الحمد لله  و أنا و ابني نعمل بكل كد وتعب حتى  نجني قوت يومنا . و في احد الأيام و التي اشتد فيها العمل لنبذل  طاقة مهولة أنا و ابني لكي نجني اجر  لم نجني مثله من قبل , و بعد  أنا عندنا  للمنزل وجدت نفسي  افقد الوعي تدريجيًا   إلى أن استيقظت لأجد  نفسي علي سريري و حولي ابني و زوجتي , أصر ابني علي أنقل  لمستشفي خاص حتى يطمئن علي صحتي . لم افلح في إقناعه بالعدول عن رغبته علي الرغم من انه يعلم تمام العلم أن مثل هذه الأماكن تتطلب أموال كثيرة لا نملكها .
فشل كلوي ,  خلل في  فقرات العمود الفقري , تدخل جراحي , يوم , شهر , شهور ، فشلت العملية , شلل , غسيل كلي كل أسبوع , و المحصلة =  أقساط  كثيرة ,
و لله الحمد كانت معظمها تسدد في مواعيدها أو  بعدها بأيام , ابني   كان يعمل في الورشة  ليوفر الأقساط في مواعيدها . والمرض مستمر و الحياة مستمرة , ألم المرض مستمر و ألم الحياة مستمر و غسيل الكلي مستمر و نزيف الأموال مستمر .
" كنت اعمل أنا  و ووحيد في الورشة و فجأة سمعنا صوت المظاهرات في الشارع  فدخلنا الورشة حتى لا يحسبنا الأمن مع المتظاهرين  , و فجأة  رأيت شخص يسرق من الأدوات و يهرب فنبهت وحيد الذي اخذ " حديدة " و جرري وراءه ليلحق به و لكنه لم يعد حتى الآن ".
كان هذا  ما قاله ايمن( العامل الذي حل مكاني في الورشة لمساعدة و حيد ) لزوجتي أم وحيد  التي اخفت عني ما حدث . و بعد أيام اخبرنا الأمن بأنه تم اعتقال ابني أثناء المظاهرات و بحوزته آلات حادة و انه سيقدم للمحاكمة . و أيام أخري و قد حكم عليه بالسجن خمس سنوات . لتتوقف الورشة و يتوقف سداد الأقساط . 
و في احد الأيام لم تستطع زوجتي إخفاء الأمر أكثر من ذلك إذ أن إدارة المستشفي أبلغتني بأن هناك أقساط كثيرة لم تسدد و أنا ستوقف علاجي و ستقوم بمنع الزيارات إلى أن يتم دفع الأقساط المستحقة و المتراكمة .
  أيام تمر ,  أقساط تتراكم , الرعاية تنخفض , الزيارات مقطوعة , إذا فالألم يشتد . 
ما هذا الصوت ؟ ما هذا الوجه ؟ لم اعتد رؤية هذا الوجه في مثل هذه الظروف ولكنه ظهر . عضو مجلس الشعب عن مدينة الرحمة , هذا الشخص الذي لم أره منذ زمن , ظهر و بالتأكيد بعد أن توسلت إليه زوجتي و تذللت تحت قدماه. ظهر ليؤكد لي أن المحافظة ستتولى دفع الأقساط ,ولكنه القدر,إذ اقترب مني  ثم همس في أذني : " يللا يا حاج عشان السرير الجديد " . نعم هذه هي الحقيقة , إن المحافظة ستدفع الأقساط المتراكمة و لكنها لن تدفع الأقساط الجديدة بمعني إنها لن تتولي علاجي  لذلك ستنقلني إلي مستشفي حكومي .
كان يومًَا عبوسًا عندما وطأت قدمي هنا حيث إن الرعاية في المستشفي الخاص أفضل كثيرًا من هنا  مهما كانت التكاليف  باهظة , بالإضافة إلى ما نسمع عنه من إهمال جسيم يذهب الأرواح في المستشفيات الحكومية . ولكنه القدر ,  أرسل إليّ ملاك من ملائكة الرحمة التي رأفت بي و اعتنت بي  و اعتبرتني أكثر من من والدها , بثت في نفسي الأمل  في الشفاء . 
 ولكنه القدر , إذ طار الملاك إلى مستشفي خاص بسبب تدني الأجر في مستشفي الرحمة  , ليلحق بي غضب الله عن طريق ممرضات و أطباء   قربوني من الموت أكثر فأكثر  و زادوا من آلام تأخر العلاج إذ كانت احدهن تفضل إعداد الطعام في المستشفي بدلا من رعاية المرضي . و ذلك الطبيب الذي يرفض التحرك ممن مكانه  في أي حالة طارئة ,فضلا عن وصوله متأخرًا .
الألم يشتد و الأيام تمر و الموت يقترب و الإهمال يزداد و ها أنا ذا ".  
 بحث عن قصة قصيرة ، قصة قصيرة 2026 ، بحث علمى عن القصة القصيرة 2026 
لا يعرف احمد ماذا يقول  .......... فينصرف في صمت .
مستشفي متعدد الطوابق , طابقين  للزوار و المسئولين , طوابق رديئة للحالات الحرجة , لا رعاية , أسرة يأكلها الصدأ , أغطية مرقعة , أفرشة متسخة , أطباء سفاحين , ممرضات يطبخن في المستشفي .