سيده تصنع تاريخ
امرأة وحيدة في صحراء قاحلة ، يعتصر أمومتها بكاء رضيعها الظامئ الجائع ، فتعتصم بيقينها و يتردد في أجواء الصمت المطبق آخر كلمات قالتها لزوجها قبل أن يتركها امتثالاً لأمر ربه " إذن فلن يُضيعنا " .. امرأة وحيدة إلا من إيمان راسخ و ثقة تامة في الله ( عز و جل ) ثم في زوجها سيدنا إبراهيم ( عليه السلام ) ، إيمان و ثقة جعلاها تترك زوجها يمضي بعد أن رطب قلبها الوجل حين سألته و هي تنظر إلى خواء الصحراء و رضيعها الحبيب : آلله أمرك بهذا ؟! فرد عليها : نعم .. اطمأنت " هاجر" و تفجر بئر زمزم ليروي ظمئ رضيعها الباكي و ليبقى معجزة إلهية تروي حجيج بيت الله لى أن يرث الله الأرض و مَن عليها .. و أحب المسلمون "هاجر" و سمى الملايين منهم بناتهن باسمها تيمناً بها ، و انتشر الاسم الحبيب ، و لكن لم ينتشر معه القيم الرائعة المرتبطة به و التي يستدعيها مجرد ذكر الاسم حتى قبل سرد حكاية هاجر الرائعة ، و حسن الظن بالزوج و تبني قناعاته مادمت لا تصطدم بشرع الله و لا تتجاوز حدوده ، و تفضيل حب الله على ما سواه من الحب و وضعه في أعلى مكانة قبل حتى حب الأبناء و اللهفة عليهم و الخوف على غدهم .. أين " هاجر " في بيوتنا و علاقتنا بأهلنا ؟ أين هي في صلتنا القوية بالله و حرصنا على اتباع أوامره و اجتناب نواهيه ؟ نحن نحب "هاجر" و لا نجسدها ، نسمي بناتنا باسمها ولا نربيهن ليكن بعضاً منها ، يا ترى هل صرنا نسمي و لا نسعى لأن يكون لأطفالنا نصيب من أسمائهم ؟! نتمنى ألا تكون الإجابة ... نعم . " و بمثل هاجر يُصنع النصر " ************* لم تكن تملك سوى نطاق ( حزام ) واحد تضعه حول ملابسها ، و مع ذلك لم تتردد لحظة واحدة في شقه لتلف فيه زاد الحبيب ( صلى الله عليه و سلم ) و أبيها الصديق ( رضي الله عنه ) و هما في غارهما ، لم تفكر لحظة فيما إذا كان سيمكنها امتلاك نطاق آخر أم لا ، لم تعتبر عدم وجود ما تضع فيه طعام الرسول و صاحبه مبرراً يعفيها عن القيام بتلكما المهمة اليومية العسيرة ، و لم تبالي بمشفة و وعر الطريق إلى غار الحبيب و صاحبه .. و اليوم نرى كثير من فتياتنا يسوِّفن في ارتداء الحجاب ؛ لأنه يعز عليهن التفريط في ملابسهن القصيرة المكشوفة ، و قد نرى أيضاً من تؤجل هذه الفريضة ريثما تشتري أشيك العباءات و أكثر أغطية الرأس اناقة .. " أسماء بنت أبي بكر " كانت أيضاً فتاة صغيرة و لكنها كانت تحمل بين جوانحها حب كبير و غاية سامية ، و تحتضن رسالة يهون كل ما دونها من غال و رخيص ، و لهذا شقت نطاقها و مضت عزيزة ، مرفوعة الرأس ، مستهينة بالعقبات .. و بحسب فتياتنا هذا الدرس فقط من حدث الهجرة المعجزة ، إنه درس امتلاك هدف ( عملاق ) و تكون كل العقبات دونه ( أقزام ضئيلة ) ، هدف ( إرضاء الله ) و تحقيق رسالة المسلم في الأرض ، رسالة تبليغ دينه ، و يكفي كل مسلمة شرفاً و فخراً أن يكرمها الله بتحقيق هذه الرسالة بمجرد التزامها بالزي الشرعي ، لتصبح صورة رائعة لإسلامها دون أن تقف على منبر أو أن تمسك قلماً ، و دعوة لكل مسلمة لأن تسترجع موقف " أسماء " و تفكر و تقتدي و تختار .. " و بمثل أسماء يُصنع النصر " **************** من البشر مَن يزهو بهم التاريخ من إنجاز واحد حققوه ، و منهم مَن تمتد حياتهم سنوات طوال و لا يحفرون في سجل التاريخ حرفاً واحداً .. و بخيمتها صنعت " رفيدة بنت سعد الأسلمية " سجلها الحافل ؛ فبخيمة متواضعة بجوار مسجد الحبيب ( صلى الله عليه و سلم ) أو في ساحات معارك الإسلام ضد الشرك و الكفر؛ صارت " رفيدة " علماً زاهراً و مساحة مضيئة في صفحات تاريخنا الإسلامي .. كانت خيمة " رفيدة " أول مستشفى ميداني في تاريخنا ، أنفقت عليه من مالها الخاص محتسبة الأجر ، و أقر الرسول (صلى الله عليه و سلم ) عطائها المتخصص ، فكانت خيمتها جزءاً لا يتجزأ من عدة الجهاد في كل غزوات المسلمين ما عدا " بدرأ " .. و من العجيب أن ليس هناك ثمة مصدر تناول نسب " رفيدة " و قصة إسلامها و تفاصيل حياتها و تاريخ وفاتها !! و لكن في الحقيقة لم تكن تلك المرأة العظيمة بحاجة لمن يؤرخ لها ؛ فحسبها خيمتها تؤرخ و تسرد الدروس و العبر .. ترى .. هل ستكون لكِ أنتِ أيضأً خيمتكِ ؟ و بأي خيمة ستخدمين إسلامكِ ؟و متى ستشدين الأوتاد و ترفعين رايات عقيدتكِ السمحاء أعلى خيمتكِ ؟ ابدئي من الآن ؛ تعرفي على قدراتكِ و اشحذي مهاراتكِ و لتكن خيمتكِ ناطقة كتلك التي زها بها " صلاح الدين الأيوبي " و هو يتفقد معسكرات المسلمين في الحروب الصليبية ، فيسمع أزيز النحل في خيام يتلو ساكنوها القرآن ، ثم يمر بواحدة أخرى يغط أهلوها في نوم عميق فيقول بأسى : ( من هنا تأتي الهزيمة ) .. أناشدكِ الله ؛ ألا يسكن الصمت المطبق خيمتكِ فتكون أوسع الثغرات إلى ديننا و نسائنا .. " و بمثل رفيدة يُصنع النصر " ***************** للأسف تلك النماذج الرائعة التي سُجلت في العصور الزاهرة توارت ؛ عندما فقدنا نشوة الثقة في نفوسنا ، و تراخت أيادينا في ضعف و تهالك ، و رفعت طاقاتنا راية بيضاء لتعلن استسلامها أمام الضغوط المتزايدة ، و لكن إن كنا نريد فعلاً اتباع حذوهن و السير على خطاهن وسط تلك الأجواء الخانقة من زيف الأحاديث الغربية و أكاذيب العولمة ، فمن الأفضل لنا أن نبدأ في إعداد خطة الإصلاح و التغيير تحت شعار " بيدي سيُصنع النصر " : ) |
الساعة الآن 03:42 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc
adv ghlasa by : ghlasa