منتديات غلاسة - بحث علمى عن النظام والانظباط 2024 ، بحث عن النظام والحضارة

بحث علمى عن النظام والانظباط 2024 ، بحث عن النظام والحضارة

يُدهَش المسلم حين يزور بلاد الغرب من مظاهر الحضارة التي تبدو في مختلف جوانب حياتهم وبخاصة في نظامهم وانضباطهم ، فيشعر في قرارة نفسه بالاستخذاء والنقص لأنه لا يجد مثل هذا النظام في بلاد المسلمين ، وربما أرجع سبب ذلك إلى الإسلام نفسه ،ولكن الإسلامُ من هذه التهمة بريء ، لأن الحقيقة التي تنطق بها تعاليم هذا الدين هي أنه دين النظام والدقة والانضباط ، وهو دين الحضارة المتكاملة الصحيحة التي جمعت بين المادة والروح فسمت بالإنسان في كل مجال .
فلا مكان للفوضى في حياة المسلم سواء كان ذلك في عباداته لله رب العالمين ، أو في المعاملات التي يجريها مع الناس ، وهذا هو التوجيه الرباني الذي نطالعه في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وفي تطبيق السلف الصالح رضوان الله عليهم .
و من أقرب الأمثلة على النظام في العبادات صلاةُ الجمعة حيث وضع الإسلام قواعد وضوابط لتتم هذه العبادة على أكمل وجه ولتؤتي ثمارها المرجوة منها ، فرتَّب عملية الدخول إلى المسجد والخروج منه ، وبيَّن للمسلم المكانَ الذي ينبغي أن يجلس فيه والحالةَ التي يجب أن يتمثل بها أثناء الخطبة ، ثم كيفية الوقوف للصلاة ومراتب الناس فيها خلف الإمام .
أما الدخول إلى المسجد فينبغي على المسلمين أن يدخلوا إليه تباعاً ، وأن يملؤوا الصفوف فيه أولاً فأول فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله عز وجل في النار ) سنن أبي داود ، أي هؤلاء إذا أتوا إلى المسجد جلسوا بعيدين ، ولم يتقدموا ليملؤوا الصف الأول ثم الذي يليه ولم يكن لهم عذر في ذلك ،
كذلك ينبغي على الذي يأتي متأخراً إلى المسجد أن لا يتخطى رقاب الناس ليصل إلى الأمام ، وقد ورد النهي الشديد عن ذلك ، روى أنس بن مالك : أن رجلاً جاء والنبي يخطب فأخذ يتخطى رقاب الناس حتى جلس في موقع متقدم فلما انتهت الصلاة قال له النبي صلى الله عليه و سلم : يا فلان ما منعك أن تجمِّع معنا ( كأنه ينفي عنه حضور صلاة الجمعة ) فقال : يا رسول الله قد حرصت أن أجلس في المكان حيث ترى فقال له : لقد رأيتك تخطيت رقاب المسلمين فآذيتهم ، ومَن آذى مسلماً فقد آذاني ) شعب الإيمان للبيهقي .
فإذا جلس المسلم في المسجد وجب عليه أن يصغي للخطيب بكل انتباه ، وألا يتكلم مع أحد حتى ولو قال لغيره أنصت ، إذ لو يُباح الكلام أثناء الخطبة لدبت الفوضى في المسجد ، ولعمَّ التشويش واللهو ، ولقد جاء في الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قُلتَ لصاحبك والإمامُ يخطب أنصت فقد لغوت ) .
وبعد انتهاء الخطبة والقيام لصلاة الجمعة ينبغي على المصلين أن يصطفوا صفوفاً كاملة وراء بعضها ، فلا يبدؤوا صفاً جديداً إلا بعد إتمام الصف المتقدم ، وأن يقفوا في كل صف باستواء واستقامة متراصين ليس بينهم أي فراغ ، قال صلى الله عليه وسلم : ( ألا تصفُّون كما تصفُّ الملائكة عند ربها ؟ فقلنا : يارسول الله : وكيف تصفُّ الملائكة عند ر بها ؟ قال : يُتمُّون الصف الأول ، ويتراصون في الصف) السنن الكبرى للنسائي ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( مَن وصل صفاً وصله الله ومَن قطع صفاً قطعه الله ) سنن النسائي ، وقال : ( لتسوُّونَّ صفوفكم أو ليُخالفنَّ الله بين وجوهكم ) مسند أبي عوانة ، ثم يجب أن يقف وراء الإمام مباشرة أصحابُ العقول وأهلُ العلم من الرجال ثم الصغارُ والأولاد ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لِيليني منكم أولو الأحلام والنُهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) المستدرك على الصحيحين .
فإذا كان أمرُ صلاة الجمعة على هذا النظام والترتيب ، فهل يعيش المسلم بلا نظام خارجَ المسجد ؟ لا إن حياة المسلم كلها تسير وفق ضبط ودقة ، وكمثال على ذلك الاصطفافُ بالدور على المحلات المزدحمة ، فغير جائز أن يعتدي المسلم على دور غيره أو أن يسلبه حقاً قد سبق إليه ، فقد قال رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( مَن سبق إلى شيء فهو له يومه حتى يدعه ) كنز العمال ، أي هو أحق به ، ومن هنا استنبط الفقهاء القاعدة ( مَن سبق إلى مباح فهو أولى به ) ،
ومثال آخر على الضبط والنظام في حياة المسلم تقيدُه بالإشارات الضوئية المرورية في الطرقات ، وهو مأخوذ من قول الفقهاء (مَن مشى في طريق وهو يعلم أن غيرَه أحقُّ به فأصاب فيه رجلاً فقتله فهو قاتلٌ شبهُ عمد) فيترتب عليه الجزاء والعقوبة .
هذه أمثلة سريعة وموجزة عن النظام الذي ينبغي أن يتقيد به المسلم انطلاقاً من تعاليم دينه الحنيف الذي شمل بتنظيمه وترتيبه كل مجالات الحياة ، فليرفع المسلم رأسه اعتزازاً وافتخاراً بهذا الدين ، وليجعل من نفسه أنموذجاً راقياً لقيمه ومبادئه .
هذه الأفكار و غيرها حول هذا الموضوع تستمعون إليها في هذه الخطبة للشيخ نعيم العرقسوسي بعنوان ( نظام الإسلام و ديمومته )