منتديات غلاسة

منتديات غلاسة (https://www.ghlasa.com/vb/index.php)
-   الاسلامى الشامل (https://www.ghlasa.com/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   الخشوع ومنزلة عند الله (https://www.ghlasa.com/vb/showthread.php?t=2262)

شبكة غلاسة 03-28-2024 05:02 AM

الخشوع ومنزلة عند الله
 

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

فإن قيل : ما تقولون في
صلاة من عدم خشوع هل يعتد بها أم لا ؟

قيل : أما الاعتداد بها في الثواب فلا يعتد له فيها إلا بما عقل فيه منها ، وخشع فيه لربه .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها .

وفي المسند مرفوعا إن العبد ليصلي الصلاة ، ولم يكتب له إلا نصفها ، أو ثلثها ، أو [ ص: 522 ] ربعها حتى بلغ عشرها .

وقد علق الله فلاح المصلين بالخشوع في صلاتهم ، فدل على أن من لم يخشع فليس من أهل الفلاح ، ولو اعتد له بها ثوابا لكان من المفلحين .

وأما الاعتداد بها في أحكام الدنيا ، وسقوط القضاء فإن غلب عليها الخشوع وتعقلها اعتد بها إجماعا ، وكانت السنن ، والأذكار عقيبها جوابر ومكملات لنقصها .

وإن غلب عليه عدم الخشوع فيها ، وعدم تعقلها ، فقد اختلف الفقهاء في وجوب إعادتها ، فأوجبها أبو عبد الله بن حامد من أصحاب أحمد ، وأبو حامد الغزالي في إحيائه ، لا في وسيطه وبسيطه .

[ ص: 523 ] واحتجوا بأنها صلاة لا يثاب عليها ، ولم يضمن له فيها الفلاح ، فلم تبرأ ذمته منها ، ويسقط القضاء عنه كصلاة المرائي .

قالوا : ولأن الخشوع والعقل روح الصلاة ومقصودها ولبها ، فكيف يعتد بصلاة فقدت روحها ولبها ، وبقيت صورتها وظاهرها ؟ .

قالوا : ولو ترك العبد واجبا من واجباتها عمدا لأبطلها تركه . وغايته : أن يكون بعضا من أبعاضها بمنزلة فوات عضو من أعضاء العبد المعتق في الكفارة ، فكيف إذا عدمت روحها ، ولبها ومقصودها ؟ وصارت بمنزلة العبد الميت ، إذا لم يعتد بالعبد المقطوع اليد ، يعتقه تقربا إلى الله تعالى في كفارة واجبة ، فكيف يعتد بالعبد الميت .

وقال بعض السلف : الصلاة كجارية تهدى إلى ملك من الملوك ، فما الظن بمن يهدي إليه جارية شلاء ، أو عوراء ، أو عمياء ، أو مقطوعة اليد والرجل ، أو مريضة ، أو دميمة ، أو قبيحة ، حتى يهدي إليه جارية ميتة بلا روح وجارية قبيحة ، فكيف بالصلاة التي يهديها العبد ، ويتقرب بها إلى ربه تعالى ؟ والله طيب لا يقبل إلا طيبا ، وليس من العمل الطيب صلاة لا روح فيها ، كما أنه ليس من العتق الطيب عتق عبد لا روح فيه .

قالوا : وتعطيل القلب عن عبودية الحضور والخشوع : تعطيل لملك الأعضاء عن عبوديته ، وعزل له عنها ، فماذا تغني طاعة الرعية وعبوديتها ، وقد عزل ملكها وتعطل ؟ .

قالوا : والأعضاء تابعة للقلب ، تصلح بصلاحه ، وتفسد بفساده ، فإذا لم يكن قائما بعبوديته ، فالأعضاء أولى أن لا يعتد بعبوديتها ، وإذا فسدت عبوديته بالغفلة والوسواس فأنى تصح عبودية رعيته وجنده ومادتهم منه ، وعن أمره يصدرون ، وبه يأتمرون ؟ .

قالوا : وفي الترمذي وغيره ، مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل وهذا إما خاص بدعاء العبادة ، وإما عام له ولدعاء المسألة ، وإما خاص [ ص: 524 ] بدعاء المسألة الذي هو أبعد ، فهو تنبيه على أنه لا يقبل دعاء العبادة الذي هو خاص حقه من قلب غافل .

قالوا : ولأن عبودية من غلبت عليه الغفلة والسهو في الغالب لا تكون مصاحبة للإخلاص ، فإن الإخلاص قصد المعبود وحده بالتعبد . والغافل لا قصد له ، فلا عبودية له .

قالوا : وقد قال الله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون وليس السهو عنها تركها ، وإلا لم يكونوا مصلين ، وإنما هو السهو عن واجبها إما عن الوقت كما قال ابن مسعود وغيره ، وإما عن الحضور والخشوع ، والصواب أنه يعم النوعين ، فإنه سبحانه أثبت لهم صلاة ، ووصفهم بالسهو عنها فهو السهو عن وقتها الواجب ، أو عن إخلاصها وحضورها الواجب ، ولذلك وصفهم بالرياء ، ولو كان السهو سهو ترك لما كان هناك رياء .

قالوا : ولو قدرنا أنه السهو عن واجب فقط ، فهو تنبيه على التوعد بالويل على سهو الإخلاص والحضور بطريق الأولى لوجوه :

أحدها : أن الوقت يسقط في حال العذر ، وينتقل إلى بدله ، والإخلاص والحضور لا يسقط بحال ، ولا بدل له .

الثاني : أن واجب الوقت يسقط لتكميل مصلحة الحضور ، فيجوز الجمع بين الصلاتين للشغل المانع من فعل إحداهما في وقتها بلا قلب ولا حضور ، كالمسافر ، والمريض ، وذي الشغل الذي يحتاج معه إلى الجمع ، كما نص عليه أحمد وغيره .

فبالجملة : مصلحة الإخلاص والحضور ، وجمعية القلب على الله في الصلاة أرجح في نظر الشارع من مصلحة سائر واجباتها ، فكيف يظن به أنه يبطلها بترك تكبيرة واحدة ، أو اعتدال في ركن ، أو ترك حرف ، أو شدة من القرآن ، أو ترك تسبيحة أو قول سمع الله لمن حمده أو قول ربنا ولك الحمد أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ، ثم يصححها مع فوت لبها ، ومقصودها الأعظم ، وروحها وسرها .

فهذا ما احتجت به هذه الطائفة ، وهي حجج كما تراها قوة وظهورا .

قال أصحاب القول الآخر : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال إذا أذن [ ص: 525 ] المؤذن أدبر الشيطان ، وله ضراط حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضي التأذين أقبل ، فإذا ثوب بالصلاة أدبر ، فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء وبين نفسه ، فيذكره ما لم يكن يذكر ، ويقول : اذكر كذا ، اذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس .

قالوا : فأمره النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة التي قد أغفله الشيطان فيها ، حتى لم يدر كم صلى بأن يسجد سجدتي السهو ، ولم يأمره بإعادتها ، ولو كانت باطلة كما زعمتم لأمره بإعادتها .

قالوا : وهذا هو السر في سجدتي السهو ، ترغيما للشيطان في وسوسته للعبد ، وكونه حال بينه وبين الحضور في الصلاة . ولهذا سماهما النبي صلى الله عليه وسلم " المرغمتين " ، وأمر من سها بهما ولم يفصل في سهوه الذي صدر عنه موجب السجود بين القليل والكثير ، والغالب والمغلوب ، وقال لكل سهو سجدتان ولم يستثن من ذلك السهو الغالب ، مع أنه الغالب .

قالوا : ولأن شرائع الإسلام على الأفعال الظاهرة ، وأما حقائق الإيمان الباطنة فتلك عليها شرائع الثواب والعقاب ، فلله تعالى حكمان : حكم في الدنيا على الشرائع الظاهرة وأعمال الجوارح ، وحكم في الآخرة على الظواهر والبواطن ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانية المنافقين ، ويكل أسرارهم إلى الله فيناكحون ، ويرثون ويورثون ، ويعتد بصلاتهم في أحكام الدنيا ، فلا يكون حكمهم حكم تارك الصلاة ، إذ قد أتوا بصورتها الظاهرة ، وأحكام الثواب والعقاب ليست إلى البشر ، بل إلى الله ، والله يتولاه في الدار الآخرة .

نعم لا يحصل مقصود هذه الصلاة من ثواب الله عاجلا ولا آجلا ، فإن للصلاة [ ص: 526 ] مزيد ثواب عاجل في القلب من قوة إيمانه ، واستنارته ، وانشراحه وانفساحه ووجود حلاوة العبادة ، والفرح والسرور ، واللذة التي تحصل لمن اجتمع همه وقلبه على الله ، وحضر قلبه بين يديه ، كما يحصل لمن قربه السلطان منه ، وخصه بمناجاته والإقبال عليه والله أعلى وأجل .

وكذلك ما يحصل لهذا من الدرجات العلى في الآخرة ، ومرافقة المقربين .

كل هذا يفوته بفوات الحضور والخضوع ، وإن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحدا ، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض ، وليس كلامنا في هذا كله .

فإن أردتم وجوب الإعادة لتحصل هذه الثمرات والفوائد فذاك إليه إن شاء أن يحصلها وإن شاء أن يفوتها على نفسه ، وإن أردتم بوجوبها أنا نلزمه بها ونعاقبه على تركها ، ونرتب عليه أحكام تارك الصلاة فلا .

وهذا القول الثاني أرجح القولين ،

والله أعلم .


أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ( ابن قيم الجوزية)


الساعة الآن 04:41 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 1
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc
adv ghlasa by : ghlasa